الحمد لله رب العالمين , الرحمن الرحيم , ملك يوم الدين , و الهادي إلى سواء السبيل .. الذي أرسل الرسل مبشرين ومنذرين والذي بيّن طرق الهدى بفضله وإرشاده ، أحمده سبحانه فهو الذي أوجدنا من العدم وهو الذي يحيينا بعد مماتنا وهو المحمود على جميع حالاتنا ، فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلـه يعلم ما نحن عليه من نفوسنا ونيّاتنا ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله ربه بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا واختاره من جميع خلقه صغيراً وكبيراً فأشرقت الأرض بنور رسالته براً وبحراً وكان ربك محسناً قديرا .. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره وأستنّ بسنته إلى يوم الدين ، أمــا بــعــد :
يشرفني بأن أقدم لكم موضوع بسطور أقـلامي الملوّنة بعنوان ’’ صلة الرحم ’’ وأرجوا أن ينال موضوعي إعجابكم وحسن إستحسانكم أجمعين ، ونبـدأ على بركة الله :
¤ صـلـة الـرحـم ¤
تعريفها : هي الوصل بين الأقارب بدون استثناء ، بوصل المعاملة والموّده وتبادل التحيّة والزيارة والمال وتشارك الأفراح والمناسبات والمسانده في الظروف العصيبة والإحسان والـجار وغيرها .
قطع الرحم ~ تعريفها : هي عكس صلة الرحم من إساءة وعدم الإحسان وتصارم ، وحكمها محرم إستدلالاً بأحديث العلماء .
¤ حـكـم صـلـة الـرحـم ¤
واجـب ، والأدلـة من الكتاب والسنّة :
قوله تعالى (( إنما المؤمنون إخوة ))
قال صلى الله عليه وسلم (( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضُه بعضا ))
قال صلى الله عليه وسلم (( مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ))
قال صلى الله عليه وسلم (( المسلم أخو المسلم لا يخونه، ولا يكذبه، ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام عرضه، وماله، ودمه، التقوى ههنا، بحسب امرئ من الشر أن يحْقِر أخاه المسلم ))
¤ مـكـارم الأخـلاق ¤
لماذا هذا المسمّى ؟ .. أطلقت هذا المسمّى لأن صلة الرحم من مكارم الأخلاق التي يتميّز بها إيماننا وإسلامنا ، لأن صلة الـرحم تصنع نفساً زكـية طاهرة بالإيمان لتزرع الحب والموّدة بين الناس أجمعين ولـتوطيد بينها ^^
وتذكروا أن نبيّنا محمد عليه الصلاة والسلم (( إنما بعثت لمكارم الأخلاق )) .. فديننا بعث للمعاملة والخلق والصلة والموّدة والنصيحة وليعلمنا الإحسان فديننا عظيم بل تجاوز البشر أيضاً إلى الحيوانات ، فقال عليه الصلاة والسلام (( إذا ذبحتم ، فأحسنوا الذبحة )) .. ومن الحيوانات إلى الجمادات أيضاً كان النبي عليه الصلاة والسلام يحذر صحابته من تدمير البنيان أو الصومعة في أوقات المعارك ^_^
ومن ذلك الباب ، تذكروا معي قصة النبي عليه الصلاة والسلام عندما كان يحسن لجـاره اليهودي الذي عندما كان على بساط الموت إذ أتاه النبي صلى الله عليه وسلم لينصحه بإحسانه ودعوته ’’ وأيضاً في محبة النبي عليه الصلاة والسلام لصلته الجليلة مع عمّه أبو طالب الذي دافع عنه وربّاه عندما كان صغيراً ، فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يصل رحمه معه مع أنه كـافر وفي قلبه القليل من الإيمان ، فصبر وشقى ودافع وعندما وقع أبو طالب على فـراش الموت ^^ أتاه صلى الله عليه وسلم لدعوته لينطق بكلمة الشهادتين .. إلا انه مات كافـراً بسبب خوفه من شتم واستهزاء قومه ، إلا ان النبي عليه الصلاة والسلام أراد شفع عمّه أبو طالب إلا ان الله تبارك وتعالى نهى عن ذلك .. وفي صورة أخرى من حقوق الجـار تذكروا حديث النبي عليه الصلاة والسلام (( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )) .. وهذا دلـيل على توطيد صلة الرحم وفضائلها بين الناس من أقارب وجـيران والإحـسان ^_^
¤ فـضـل صـلـة الـرحـم ¤
1/ صلة الرحم شعار للإيمان بالله وااليوم الآخر ، قال عليه الصلاة والسلام (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ))
2/ تربية النفس وتعزيزها بالإخاء والموّده بمكارم الأخلاق وتعلم التعامل السليم .
3/ زيـادة الإيمان والتلذذ بحـلاوة الإيمان والإحسان مع الله تبارك وتعالى ثم مع المؤمنين .
4/ التـوسع بالرزق وزيادة وتبارك في العمر ، قال صلى الله عليه وسلم (( من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره فليصل رحمه ))
5/ مبـادلة الخيرات والمشاعر الأخوية والمحبة في الله بين الناس .
6/ عظم شأن صلة الأرحام ، قال تعالى (( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ، إن الله كان عليكم رقيبا ))
7/ ترك الرذائل والأخلاق السيئة .
¤ طـوفـان صـلـة الـرحـم ¤
قال تعالى (( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُون ))
قال تعالى (( يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيم ))
قال تعالى (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون ))
قال صلى الله عليه وسلم (( تعبد الله ، ولا تشرك به شيئاً ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصل الرحم ))
قال صلى الله عليه وسلم (( إن الرحم شُجْنةُ متمِسكة بالعرش تكلم بلسان ذُلَق ، اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني ، فيقول ـ تبارك وتعالى ـ : أنا الرحمن الرحيم ، و إني شققت للرحم من اسمي ، فمن وصلها وصلته،ومن نكثها نكثه ))
قال صلى الله عليه وسلم (( الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعه الله ))
قال صلى الله عليه وسلم (( إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم ))
قال صلى الله عليه وسلم (( لا يدخل الجنة قاطع ))
¤ خـتـامـه مـســ ،، ــكــ ¤
قبل أن أختم معكم أيها الأحـبة هذا الموضوع ، أود أن أقول نصيحة من كان من بينه وبين أحدهم شحناء أو قطيعة ، فعليه أن يرد جميله كمكافأة أو بالإعـلان بالحسنى وبداية صفحة جديدة ليزول هذا الحاجز ، فتنزل الرحمات وتتقارب الأرحام ’’ فالواصل هو من قطعه رحمه فواصلهم وهو الذي يبحث عن هؤلاء الذين هجروه وقاطعوه ليصلحهم رحمه ^_^
أسأل الله العليّ العظيم أن يتقبل مني هذا الموضوع ويجزينا واياكم خير الجزاء وأن يرزقنا حسن صلة الرحم مع الأقارب والأحبة في الله وأن يرزقنا ثمار صلة الرحم .. وأن يكون موضوعي سبباً في تلاحم الأحبة من جديد من زيادة إيمان وصلة وموّدة ومحبة وتعاون وإكـرام جلالاً .. بارك الله لنا ولكم أجمعين ^^!
أتمنى بأن موضوعي حاز على إعجابكم .. وصلى الله وبارك على حبيبنا وقدوتنا محمد عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم ،،